الحمد لله الواحد الأحد ، والصلاة والسلام على النبي الكريم محمد ، وعلى آله
وصحبه ذوي السؤدد ، وبعد :
انقضى شطر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في في إقامة العقيدة ، حتى
استقر التوحيد في النفوس ، وتوجهت القلوب إلى خالقها ، واستعدت لتلقي أوامر
الشريعة وإقامتها عن طواعية ومحبة للآمر - عز وجل - مهما كانت التكاليف
والأعباء ؛ ولذا كان من أول ما نزل من القرآن - كما أخبرت عائشة رضي الله
عنها - سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى ،
الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء : لا تشربوا الخمر لقالوا : لا
ندع الخمر أبداً . ولو نزل : لا تزنوا لقالوا : لا ندع الزنا أبدا .
[رواه البخاري ، ح/ 4993] . ولا يسبقن إلى فهم أحد أن الاهتمام بالعقيدة
يستدعي تقديم فروعها الجزئية على أصول الدين العملية ، ولئن وقع من ذلك شيء
فإنما مرده خطأ الأفراد الذي لا يحسب على المنهج .
وفي ظلال أيام الحج تحث فريضة الحج خطاها مقبلة حاطة في ثنايا مشاعرها
دعوة متجددة إلى إحياء الإيمان وتصحيح العقيدة ، نلمح ذلك في آيات الحج ؛ حيث
الدعوة إلى الحنيفية ونبذ الأوثان ، والأمر بتعظيم شعائر الله وحرماته ، وتحقيق
التقوى في النفوس ، كما نرى في أعمال الحج من تلبية وتهليل وذكر ، إلى تذكير
بالموت والبعث . ومهما تلمس العلماء من حكم الحج وأسراره فليس أبلغ من حكمة
تحقيق الخضوع والاستسلام لله - سبحانة وتعالى - .
فريضة هذا شأنها مع أصل الأصول .. ترى كيف ينبغي أن يكون حال الدعاة
معها في ذلك الجمع الكبير ؛ حيث تقاطر الناس من أرجاء المعمورة ، يحدوهم
الشوق ، وتدفعهم الرغبة ، وقد انقطعوا لأداء النسك ، وتفرغوا قبله وبعده أياما ؟
تلك - والله - سانحة ما كانت لولا رحمة الله ومنته ، فما أحراها بالاغتنام
لإقامة أساس الدين !