إن فوائد الحج الفردية لا يمكن إنكارها أو المجادلة فيها ، فهو تزكية للنفوس ، وتجريد
لها من عوامل الضعف، وتـزكـيـة لـهـا بالتصميم على الانخلاع من الذنوب والآثام ولذة
القرب من الله ومناجاته في المشاعر التي عظمها بنفسه: ((وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ
اللَّهِ فَإنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ))
لكننا في هذه المناسبة نحب الإشارة إلـى الجانب الاجتماعي والمظهر العالمي للحج كمؤتمر
للمسلمين يقفون فيه وقفة للمراجعة ، شـاكـرين نعمة لله عليهم سائلينه العون على تجاوز
العقبات والصعاب.
وإذا ما أشرنا إلى بعض السلبيات في موسم الحـج فلا يعني هذا الغفلة عن ما لهذه الشعيرة
مـن أثـر في إصلاح أحوال المسلمين أفراداً وجماعـات، بـل هـو مـزيـد إلـحـاح عـلـى
هـذه السلبيات حتى تنمحي أو تقل ولا يكون ذلك إلا ببث الوعي عند المسلمين المتوجهين
إلى تأدية هذه الفريضة.
إن كل من أكرمه الله بأداء فـريـضـة الحـج رجـع وقـد رأى وشـاهـد أنواعاً من التصرفات
والسلوك بين صفوف الحجاج أقل ما يقال فيها أنها ليـسـت من الإسلام في شيء ، بل إن روح
الإسلام تخالفها أشد المخالفة، بل وتحاربها أشد الحرب، فهناك جهل كبير بأحكام الحج
وآدابـه يـؤدي إلى أضـرار كبـيـرة بالـحـجـاج، وإعطاء صورة غير طيبة عن المسلمين وشعائرهم.
ولذلك وجب على العلماء وطلبة العلم كل بحسب قدرته تعليم المسلمين ونصحهم سواء قبل سفر
هؤلاء الحجاج من بلادهم أو بعد وصـولهـم إلى المـشـاعر المقدسة ، وحتى يثمر التعليم
والنصح والإرشاد ثمرته المباركة ينبغي أن يصدر عن مـدارسـة وتخـطـيـط يـقـوم به العلماء
الذين يعتبر موسم الحج مناسبة هامة لتجمعهم لتدارس مشاكل المسلمين الحجاج سواء في أثناء
تأديتهم المناسك ، أو المشاكل العامة المتعلقة بأوضاع المسلمين عامة.
إن أهم المقاصد من الحج أن يتعانق الهدفان الديني والدنيوي وينعكسان على المسلمين خيراً
وبركةً. وتتحقق السعادتان: سعادة الدنيا بتصحيح الأخطـاء والـقـضـاء على الـسلـبـيـات؛
وسعادة الآخرة بمغفرة الذنب ومرضاة الرب، أما التطلع لتحقيق واحد من الهدفين منفصلاً
عن الآخر فهذا مخالف لروح الآية الكريمة ((لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ))
الهوامش :
1 - انظر كلاما حول هذا الحدث للشيخ محمد أمين المصري في كتابه سبيل الدعوة الإسلامية،ص
71.